إستئناف

بعد ما علمت الحبيبة بأن حبيبها قد شكاها إلي محكمة العشق والغرام وعلمت بأن المحكمة قد حكمت عليها غيابياً بتعويض حبيبها بعشرة ألاف نظرة من عينيها تقبلت الحكم بكل هدوء ولكن قررت أن تذهب هي الآخري إلي المحكمة لتقديم إستئناف وللرد علي إتهامات حبيبها وللدفاع عن نفسها أمام القاضي .. تعالوا نتابع ما حدث في قاعة المحكمة للمرة الثانية

القاضي : أنتي الحبيبة التي تقدمت بالإستئناف ؟

الحبيبة : نعم يا سيدي القاضي هو أنا والتي حكمت عليا بعشرة ألاف نظرة إلي حبيبي.

القاضي : وما هو إعتراضك علي الحكم ؟

الحبيبة : يا سيدي القاضي انا لم أجيء إلي هنا لكي أعترض علي الحكم بل أنني مستعدة لدفع عمري كله لحبيبي ومستعدة حتي لأن أكون أنا عمياء حتي يري هو بنور عيوني ولا أري أنا أحداً سواه.

القاضي : جميل .. ولماذا الإستئناف إذا كنتي مستعدة لدفع الغرامة والتصالح مع حبيبك؟

الحبيبة: أنا هنا يا سيدي القاضي لكي أقر وأعترف وأشكو إليك من حبيبي رغم أنني كنت أفضل أن أصمت وأكتم الحزن في قلبي ولا أشكوه في يوم من الأيام أبداً الي اي مخلوق ايا كان.

القاضي : هاتي ما عندك ..

الحبيبة : حبيبي يا سيادة القاضي إنسان جاءت به البشرية مرة واحدة ولن تأتي به مرة أخري . إنسان ما له مثيل وغيره لا أرتضي بديل . الحب هو حبيبي والشوق يسكن في عيون حبيبي والرجولة هي حبيبي .. ما هناك رجل علي وجه الأرض يملأ عيني إلا حبيبي. لكن ...... وآه من لكن .. هو صامت طول الوقت ولا يقول لي ما بداخله ولا يعترف لي باي شيء .. أعرف انه يحبني ويتمني أن نعود مرة أخري ونتكلم كما كنا من قبل ولكنه في كل يوم كان يبني جداراً من الصمت بيني وبينه حتي أصبح الجدار يكبر يوماً بعد يوم .

القاضي : ربما كان ذلك طبعه ..

الحبيبة : نعم يا سيدي القاضي هذا هو طبعه لأنه إنسان خلوق وإنسان مهذب لكنني أراه يتكلم مع هذه ويتكلم مع تلك ويشكو إلي هذه ويجلس بجوار هذه وعندما يراني وتلتقي عيوني بعيوني يتجمد الكلام علي لسانه وكم تمنيت أن يقول لي " صباح الخير " فقط كلمتين ما أسهلهم وكنت سأطير بهم فرحاً وأبدأ أنا في الكلام معه وأنسي كل شيء ولكنه لم يفعل وفي كل يوم يجعلني اشعر كأنني شماعة يعلق عليها ملابسه ومتاعبه وأوجاعه .

القاضي: ربما كانت له ظروف قاسية ويخاف عليك وينتظر حتي تتحسن الأوضاع

الحبيبة: لكنه لم يقل شيئاً .. أنا مستعدة للوقوف معه إلي أخر نقطة في دمي .. إلي أخر يوم في عمري .. ولكنه لم يقل شيئاً ولن يقول شيئاً .. فهل من الممكن أن أتحمل كل هذا الصمت المؤلم دون أن أعرف سبباً لهذا الصمت وما سره. وبعد كل ذلك يأتي هو ليشكوني علي أنني لا اتكلم معه ولا أنظر إليه وأنني تخليت عنه .. وماذا عليا أنا أن أفعل ؟

القاضي : حاولي أن تواجهيه وتأخذي بيديه حتي يتكلم ويفتح خزائن قلبه لك

الحبيبة : خزائن قلبه موصدة يا سيادة القاضي ولا أعرف لها مفتاحاً ..

القاضي : وهل جربتي كل المفاتيح ؟

الحبيبة : بصراحة يئست من المحاولات وهو لا يريد أن يتكلم وأنا أحافظ علي كرامتي لأن المرأة يا سيادة القاضي في الأصل ما هي إلا كرامة وكبرياء. نحن النساء تافهين نريد أن نسمع ولو كلمة حب صغيرة .. نريد وردة ولو ذبلانة .. نريد لمسة يد ولو باردة ونحن قادرين علي أن نحول كل هذه الاشياء إلي اشياء جميلة ولكن دائماً البداية عند الرجل ودائماً هو صاحب ضربة البداية . المرأة يا سيدي القاضي تريد أن تشعر أن قلب حبيبها هو المخبأ السري الذي تلجأ إليه في كل شيء .. تريد أن تري يديه تمسح دمعتها قبل أن تفكر في البكاء .. تريد أن تري عيناه وهي تفرض قواعد الإقامة الجبرية داخل عينيها .. تريد أن تسمع منه موسيقي من كلام الحب ولو كلمة صغيرة .. تريد أن تشعر أن كتفه هو الوسادة الوحيدة التي تشعر عليها بالراحة وبالأمان .. أو ليس هذا يشفع لي يا سيادة القاضي أن أطالب بالبراءة .

القاضي : وهل تريدين أن تفرضي اي غرامة علي حبيبك من أجل كل هذه الألام الذي سببها لك ؟

الحبيبة : لا لا ارجوك يا سيادة القاضي .. أنا مستعدة أن اكون مذنبة وقاسية وأن تسجنوني ولا تمسوا حبيبي بأذي .. إضربوني حتي الموت وعذبوني وإتركوه .. إحكموا عليا بالإعدام ولكن إطلبوا منه أن تكون آخر كلمة أسمعها في الدنيا هي كلمة " أحبك "

" الحكم بعد المداولة "

القاضي : حكمت المحكمة حضورياً ببراءة الحبيبة وبراءة العاشق

وهنا يتهلل وجهها فرحاً وعندما تتجمع الدموع في عينيها .. تلتفت لتري حبيبها يمد يديه لتلك الدموع ويمسحها عنها دون منديل ولكن يمسحها بأصابعه . في البداية لم تصدق ولكنها تعرف تلك الأصابع .. تعرف تلك الأنامل التي لا توجد مثلها في العالم .. تلك الأنامل فيها حنان لو وصفوه لأي مريض يتعافي بإذن الله وحينما بدأت في أن تسترد وعيها وجدته هو .. كادت أن تصرخ ولكنها لم تستطيع .. لقد كان يسمع الجلسة كلها وسمع كلامها كله ولكن دون أن تشعر وهنا صمتت هي و تجمد الكلام علي لسانها هي وقال لها " أحبك .. سامحيني" وهنا سقطت مغشياً عليها ........................