كانت راهبة ..وكان هو راعيا بائسا


أشارت بيدها
أن اتبعني
كانت راهبة
بينما كان هو راعيا بائسا

التحقت بالجبال يوما
فزرعت ما بين الجبال
خوف العامة
وأساطير تحكى للصغار
عن جنية أتت
من حيث لا يعلم أحد
باحدى يديها الماء
وبالأخرى نار وشهب

كان الراعى غريبا
لم ينبهه أحد
لخطورة المآل
فاخترق الجبال
بقلب أخضر

كان ينشد كما تعود دوما
للريح
للمطر
وسنابل القمح
وزهور اللوز الأبيض

وعندما أوشك اليوم على الانتهاء
بحث عن الماء
فوجده سرابا
يسكن الآفاق
فطرق بابها القصى
بغير ذى ذنب
سوى الماء

لم تسأله
من أين أتى
والى أين المنتهى
لم تسأله ربما لأن حروفها الخرساء
تسكعت ذات يوم
بشوارع القرى المجاورة
فآثرت عدم العودة

لم يجد بكوخها شيئا يذكر
طلب الماء مجددا
بحثت بأبجديتها المهترئة
ماذا يعنى الماء
سائل لا غنى عنه للأحياء
مـــــــاء
مـــــــاء
رددته الخراف هي الأخرى بلا ملل

ظن انها لم تسمعه
أعاد سؤاله
بحنجرة آلمها الجدب
سيدتي :ألديك من الماء
ما يكفىلغريب مرتحل
عن الديار
ليس له في الجوار دار
ألا تتعطفى عليه ببعض الماء

فأشارت باحدى يديها
أن اتبعني
فاتبعها بلا ادني خطيئة
فطرقت السهول البكر
التى ما ارتادها بشر
منذ سكنتها هي
ودلته لبئر من الماء
وقف وحيدا بلا انهار

فنهل منه بلا ارتواء
كأن ظمأه يزداد بالارتواء ضراوة

شكرها بأبجديته
التى ما ارتوت الا لتظمأ أكثر

سألها لما تسكن الجبال
ألا تخشى الليل والرياح والاعصار

فاقترضت من الماضى السحيق
بضع انفراجة
يظنها الرائى البسيط ابتسامة

حاولت العبث بذاكرتها
ربما تجد حروفا شريدة
ترمم بها صدع الصمت الآسن

لمح بعض الأطفال
أسفل السهل
يرددون وهم يهرولون
تلك الراهبة المسحورة
التى تفتك بضحاياها
فلنهرب ..فلنهرب

حدثته نفسه بالكثير
لم ير منها شيئا يذكر
فترفقت به
وكأنه سمعها تردد
لا تصدق كل ما يقال
فالنهر ليس ببحر
والماء الذى تشرب
ليس من نسج الخيال

فتفحصها كغريب
يبحث عن وطن
بحثا عن اجابات
لأسئلة سكنها الحياء

فمدت يدها بشىء
كأنها تكتنزه منذ عهد بعيد
خشى ان يقترب
كما خشى ان يفر كالجبناء

لم يستطع سوى أن يلقفه
كأنه على أهبة تيه
حصل على احدى رموزه
ليواصل المسير
فجأة تلاشت
كضباب ما خلف وراءه رمادا